قصة الإسراء والمعراج: الرحلة التي زلزلت قلوب المشركين وثبّتت قلوب المؤمنين

قصة الإسراء والمعراج: الرحلة التي زلزلت قلوب المشركين وثبّتت قلوب المؤمنين

في ليلةٍ من الليالي المليئة بالألم بعد عام الحزن، حين فقد النبي صلى الله عليه وسلم أقرب الناس إليه: زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب، وقوبل في الطائف بالأذى والسخرية، جاءت عزاء السماء. إنها رحلة الإسراء والمعراج، تلك الرحلة التي لم تكن مجرد انتقال مكاني، بل كانت تسلية للنبي، وتكريماً له، وبيانًا لمكانته العظيمة عند ربه.

معنى الإسراء والمعراج

  • الإسراء: هو الانتقال المعجزي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلاً من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس.
  • المعراج: هو صعود النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، حتى بلغ سدرة المنتهى.

وقد ذكر القرآن الكريم هذه الحادثة في قوله تعالى:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء: 1]

زمن الرحلة

رجّح العلماء أن رحلة الإسراء والمعراج وقعت قبل الهجرة النبوية بسنة واحدة، في العام العاشر للبعثة، بعد وفاة السيدة خديجة وأبي طالب. وقد كانت بمثابة تثبيت لقلب النبي بعد المحن والشدائد.

تفاصيل الرحلة

أولاً: الإسراء

كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في حجر الكعبة، فأتاه جبريل عليه السلام، فشق صدره وأخرج قلبه وغسله بماء زمزم، ثم أعاده. ثم جاءه بالبُراق، وهي دابة بيضاء سريعة، فركبها النبي، وسار به جبريل من مكة إلى القدس، حيث المسجد الأقصى.

وعند وصوله إلى المسجد الأقصى، دخل النبي المسجد فوجد فيه جمعًا من الأنبياء، فصلى بهم إمامًا، وكان في ذلك إشارة إلى ختم الرسالات وعلو مكانته.

ثانيًا: المعراج

بعد ذلك، صعد به جبريل عليه السلام إلى السماوات العلا، فاستُقبل في كل سماء بنبي من أنبياء الله:

  • السماء الأولى: آدم عليه السلام.
  • الثانية: عيسى ويحيى عليهما السلام.
  • الثالثة: يوسف عليه السلام.
  • الرابعة: إدريس عليه السلام.
  • الخامسة: هارون عليه السلام.
  • السادسة: موسى عليه السلام.
  • السابعة: إبراهيم عليه السلام، مسندًا ظهره إلى البيت المعمور.

ثم صعد به إلى سدرة المنتهى، وهناك خاطبه ربه، وفُرضت عليه الصلوات.

فرض الصلاة

في تلك الليلة، فُرضت الصلاة على المسلمين، وكانت في البداية خمسين صلاة، ثم خُفّفت إلى خمس، ولكنها بأجر خمسين. وكان النبي يعود إلى موسى عليه السلام بعد كل تخفيف، فينصحه بالعودة وطلب التخفيف، حتى وصلت إلى خمس، فاستحيا النبي من ربه.

مشاهد رآها النبي في المعراج

  • أقوام تُقرض شفاههم بمقاريض من نار: خطباء الفتنة.
  • أقوام يأكلون لحمًا خبيثًا تاركين الطيب: الزناة.
  • نساء يُعلّقن من شعورهن: الكاشفات العاريات.
  • رجال بطونهم كأن فيها الحيّات: أكلة الربا.

كما رأى الجنة والنار، وسمع صريف الأقلام.

عودة النبي إلى مكة

بعد هذه الرحلة العظيمة، عاد النبي إلى مكة، وروي أن الرحلة كلها كانت في جزء من الليل. ولما أخبر بها الناس، كذبوه وسخروا منه، حتى أن بعض المسلمين فُتن وارتد، ولكن الصدّيق أبو بكر قال: \"إن كان قال فقد صدق\".

الحكمة من الرحلة

  • تكريم النبي صلى الله عليه وسلم.
  • إظهار عظمة الله وقدرته.
  • بيان مكانة المسجد الأقصى.
  • فرض الصلاة، عماد الدين.

الدروس المستفادة

  1. الصلاة عمود الدين، وقد فُرضت في السماء.
  2. مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في السماوات العلا.
  3. الإيمان بالغيب، فالمؤمن يصدق كل ما أخبر به الله ورسوله.
  4. أهمية المسجد الأقصى في عقيدة المسلمين.

هل كانت الرحلة بالروح فقط أم بالجسد؟

أجمع جمهور العلماء على أن الرحلة كانت بالجسد والروح معًا، لأن الله قال: \"أسرى بعبده\"، والعبد يتكون من الجسد والروح.

موقف المشركين من القصة

عندما سمع كفار قريش بالقصة، استهزؤوا وقالوا: كيف تذهب وتعود من القدس في ليلة واحدة؟! وجعلوا يسألون النبي عن أوصاف المسجد الأقصى، فأنطق الله نبيه بوصفه الدقيق، فتغيّرت وجوههم.

في الختام

قصة الإسراء والمعراج ليست مجرد معجزة، بل هي مدرسة إيمانية. فيها دروس في الصبر، والثبات، واليقين، وفيها إشارات عظيمة لمكانة المسجد الأقصى، ومقام الصلاة، ورفعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال