قصة هاروت وماروت: حين نزلت الملائكة تُعلّم السحر!

 

قصة هاروت وماروت: حين نزلت الملائكة تُعلّم السحر!

قصة هاروت وماروت: حين نزلت الملائكة تُعلّم السحر!

في زحام القصص الغامضة التي وردت في القرآن الكريم، تبقى قصة هاروت وماروت واحدة من أكثر القصص إثارةً وتساؤلًا. كيف يمكن لملائكة أن تُعلّم الناس السحر؟! وما الحكمة من نزولهم؟ وهل كانا فتنة فعلًا كما وصفهم القرآن؟ وما علاقة هذه القصة باليهود في بابل؟

الآية التي أثارت العقول

قال تعالى في سورة البقرة:
"واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا، يُعلّمون الناس السحر، وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر..."

هذه الآية فتحت أبوابًا من التأويل والنقاش بين المفسّرين، لقرون طويلة. فمن هما هاروت وماروت؟ ولماذا نزلوا؟ وكيف علّموا الناس السحر؟

الزمان والمكان

تدور أحداث القصة في بابل، المدينة العراقية القديمة التي كانت مركزًا حضاريًا وروحيًا في التاريخ القديم. وهناك، كان الناس يغرقون في عبادة الكواكب والسحر والشعوذة، ويفتنون بما هو غيبي وغامض.

الملائكة تُعلّم السحر؟!

هاروت وماروت ملَكان أرسلهما الله عز وجل إلى الأرض كـ اختبار وفتنة للبشر. لم ينزلا ليضلّا الناس، بل ليُظهروا الحق من الباطل، ويكشفوا فساد من يتّبع السحر طمعًا أو كفرًا.

كانا يقولان لمن يطلب تعلم السحر: "إنما نحن فتنة فلا تكفر". يُوضّحان أنهم ابتلاء، وأن من يختار الكفر ويتبع السحر عن علم فهو من الهالكين.

ما نوع السحر الذي علّماه؟

اختلف العلماء، لكن أغلب الأقوال تشير إلى أن ما علّماه هو نوع من سحر التفريق بين المرء وزوجه، وأشياء من باب التحذير والتجربة، وليس بهدف الإفساد.

ومن يتعلم هذا العلم، يعرف أنه محرم، وأن استخدامه كُفرٌ بالله، ولهذا كان القول الواضح: "فلا تكفر".

هل كانا ملَكين أم بشرًا؟

اختلفت الروايات: - بعض المفسّرين قالوا إنهما ملَكان فعلاً، طائعان، نزلوا بأمر الله لاختبار البشر. - وهناك روايات إسرائيلية تقول إنهما كانا بشرًا صالحين، ثم فُتنوا. - والصحيح – كما رجّحه كثير من أهل التفسير – أنهما ملَكان، ولم يُخطئا، بل أنذرا وبيّنا، والناس هم من اتّبعوا الشر.

دروس عظيمة من القصة

  • الفتنة قد تأتي في ثوب العلم: ليس كل علم خيرًا، فبعضه اختبار، وبعضه طريق للهلاك.
  • التحذير لا يكفي أحيانًا: رغم أن هاروت وماروت حذّرا الناس، إلا أن كثيرين اختاروا الكفر.
  • السحر ليس خيالاً: بل حقيقة محرّمة، وكان موجودًا في الأمم السابقة، وله آثار حقيقية، لكنه كُفر بالله.
  • الشيطان يُلبّس الباطل ثوب العلم: كما في عهد سليمان، الشياطين نشروا الكذب، ونسبوا السحر لسليمان، بينما الحقيقة أنه كان بريئًا من ذلك.

ماذا قال العلماء؟

قال ابن كثير: "هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض ليُعلما الناس ما يميزون به بين الحق والباطل، والخير والشر، والتحذير من السحر، لا لأجل الإفساد".

وقال القرطبي: "علّما السحر على سبيل البيان والاختبار، لا على وجه الترغيب فيه".

هل انتهت فتنة السحر؟

أبدًا! لا تزال فتنة السحر قائمة في هذا العصر. تنتشر الشعوذة والدجل و"السحر الأبيض" و"الطاقة الكونية" تحت مسميات حديثة، لكنها في حقيقتها خُرافات تُغضب الله وتُفسد العقول.

والواجب على المسلم أن يحصّن نفسه بالقرآن، وألا يذهب إلى السحرة أو الدجالين، ولا يُصدّق المنجمين والعرافين، وأن يعلم أن من يذهب إلى ساحر أو يطلب منه شيئًا، فقد أفسد توكّله على الله.

الخلاصة

قصة هاروت وماروت ليست مجرد رواية، بل درس خالد في خطورة السحر، وفي أن الله يبتلي عباده ليختبر قلوبهم. وما كان لله أن يُنزّل علمًا يؤدي للضلال، إلا ويُحذّر عباده منه.

فهل نتّعظ؟ أم ننجرف كما انجرف من قبلنا؟

اللهم اجعلنا من عبادك الموحّدين، ونجّنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال