قصة السامري والعجل الذهبي: حين فُتِنَ قوم موسى بعد المعجزة الكبرى

 


🔥 قصة السامري والعجل الذهبي: حين فُتِنَ قوم موسى بعد المعجزة الكبرى

مقدمة تمهيدية

حين نقرأ القرآن الكريم، نجد أنه لا يحكي القصص لمجرد السرد التاريخي، بل لأنه يضع أمامنا نماذج بشرية، ومواقف واقعية مليئة بالعبر. ومن أعجب هذه القصص، وأكثرها إثارة للتفكر، هي قصة السامري وصناعته للعجل الذهبي بعد نجاة بني إسرائيل من فرعون. كيف يمكن لقومٍ رأوا البحر ينشق أمامهم، أن يرتدوا لعبادة تمثال؟! وكيف يستغل شخص واحد غياب نبي الله موسى ليصنع أكبر فتنة عقائدية في تاريخ بني إسرائيل؟

في هذه المقالة المطولة، نغوص معًا في تفاصيل القصة كما وردت في القرآن الكريم، ونكشف الجوانب النفسية والاجتماعية والعقائدية فيها، لنفهم كيف تتحول الأمم، وكيف تحدث الفتنة، ومتى تكون العقول مستعدة لعبادة "عجل" جديد.


من هو السامري؟ وما أصله؟

السامري – بحسب أغلب التفاسير – هو رجل من بني إسرائيل، كان لديه معرفة خاصة أو نوع من العلم الذي اكتسبه، ويُقال إنه كان يختص ببعض الأمور الخفية. وقد سُمي بالسامري إما نسبة إلى منطقة (السامرة) أو صفة دينية أو طائفية. لكنه لم يكن نبيًا ولا رسولًا، بل كان دجالًا خطيرًا.

﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾ (طه: 85)

السياق الزمني: بعد النجاة من فرعون مباشرة

كان بنو إسرائيل قد خرجوا من مصر بقيادة نبي الله موسى عليه السلام، وشاهدوا واحدة من أعظم المعجزات في التاريخ: انشقاق البحر، وغرق فرعون، ونجاتهم منه. لكن ما إن وصلوا إلى البر الآخر، حتى بدأ يظهر فيهم التردد العقائدي، والضعف الإيماني، وسرعة التعلق بالمظاهر الحسية.

﴿اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ (الأعراف: 138)

ما الذي فعله السامري؟ ولماذا العجل؟

بعد أن ترك موسى عليه السلام قومه وذهب لميقات ربه، استغل السامري هذا الغياب، وأقنع الناس بجمع الحليّ والذهب الذي أخذوه من المصريين، ثم صهره، وصنع منه عِجلاً جسدًا له صوت (خُوار).

لم يكن مجرد تمثال، بل كان تمثالًا يصدر صوتًا، مما جعل القوم يظنون أن فيه "روحًا" أو "قوة خارقة"، وزعم السامري أنه هو إلههم وإله موسى!

﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ﴾ (طه: 88)

موقف هارون عليه السلام: الحكمة في وجه الفتنة

النبي هارون عليه السلام كان خليفة موسى على القوم، وقد حاول منعهم من عبادة العجل، ووعظهم كثيرًا، لكنهم كادوا أن يفتكوا به!

﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ (طه: 90)
﴿لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ﴾

عودة موسى وانفجار الغضب

عاد موسى عليه السلام من ميقات ربه، وهو يحمل الألواح، ليجد قومه في أسوأ حال، يعبدون عجلًا مصنوعًا من ذهب! فثار غضبه، وألقى الألواح من شدة الصدمة، وأخذ بلحية أخيه هارون:

﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا﴾

ثم التفت موسى إلى السامري وسأله عن فعلته، فقال:

﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا﴾

العقوبة: نفسية واجتماعية

لم يُقتل السامري، بل عوقب عقوبة من نوع خاص:

﴿فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ﴾

أي أنك ستعيش طريدًا، لا يمسك أحد ولا تمس أحدًا، مرض نفسي واجتماعي شديد، كأن الله جعله عبرة! ثم أمر موسى أن يُحرق العجل ويُذرّى في البحر، حتى لا يبقى له أثر.

الدروس والعبر من قصة السامري

  • الفتنة لا تحتاج إلى جيش، يكفي عقل خبيث وصوت خادع.
  • المظاهر لا تعني الحق، حتى لو أصدر العجل صوتًا.
  • الفراغ القيادي خطير جدًا على الأمم.
  • من لا يثبت على العقيدة يسقط بسهولة في الضلال.
  • العقوبات الإلهية ليست دائمًا جسدية... أحيانًا نفسية أو اجتماعية.

لماذا هذه القصة مهمة لنا اليوم؟

لأننا نعيش في زمن كثرت فيه "العجول الجديدة" من إعلام مضلل، وشخصيات مؤثرة فارغة، وأفكار تُقدّم كأنها خلاص البشرية، لكنها أوهام. فكل من يقدم "عجلًا" باسم التقدم أو الإلهام أو العقل... هو امتداد للسامري.

خاتمة

قصة السامري ليست ماضٍ ننساه، بل هي مرآة لحاضرنا، وتذكير بأن كل أمة إن لم تكن راسخة العقيدة، ستهتز أمام أول فتنة، وتُقاد كأنها قطيع. فلنكن على وعي، ولنقرأ القرآن بعين البصيرة.


الكلمات المفتاحية:

قصة السامري، العجل الذهبي، عبادة العجل، قصة بني إسرائيل، موسى وهارون، سورة طه، الفتن في القرآن، العبر القرآنية، الدجال، الفتن العقائدية

الوسوم:

#قصة_السامري #العجل_الذهبي #فتن_الأمم #القرآن_الكريم #موسى_عليه_السلام #هارون #سورة_طه #قصص_الأنبياء

أحدث أقدم

نموذج الاتصال